كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأمّا قوله: {رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ} فإن هذه النون والواو إنما تكونان في جمع ذكران الجنّ والإنس وما أشبههم. فيقال: الناس ساجدون، والملائكة والجنّ ساجدون: فإذا عدوت هذا صار المؤنّث والمذكّر إلى التأنيث. فيقال: الكباش قد ذبّحن وذبّحت ومذبّحات. ولا يجوز مذبّحون. وإنما جاز في الشمس والقمر والكواكب بالنون والياء لأنهم وصفوا بأفاعيل الآدميين (ألا ترى أن السجود والركوع لا يكون إلّا من الآدميين فأخرج فعلهم على فعال الآدميّين) ومثله {وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا} فكأنهم خاطبوا رجالا إذ كلّمتهم وكلّموها.
وكذلك {يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ} فما أتاك مواقعا لفعل الآدميين من غيرهم أجريته على هذا.
قوله (يا بُنَيَّ) و (يا بنىّ) لغتان، كقولك: يا أبت ويا أبت لأن من نصب أراد النّدبة: يا أبتاه فحذفها.
وإذا تركت الهمزة من (الرؤيا) قالوا: الرّؤيا طلبا للهمزة. وإذا كان من شأنهم تحويل الهمزة: قالوا: لا تقصص ريّاك في الكلام، فأمّا في القرآن فلا يجوز لمخالفة الكتاب. أنشدنى أبو الجرّاح:
لعرض من الأعراض يمسى حمامه ** ويضحى على أفنانه الغين يهتف

أحبّ إلى قلبى من الديك ريّة ** وباب إذا ما مال للغلق يصرف

أراد: رؤية، فلمّا ترك الهمز وجاءت واو ساكنة بعدها ياء تحولتا ياء مشدّدة، كما يقال: لويته ليّا وكويته كيّا والأصل كويا ولويا. وإن أشرت إلى الضمّة قلت: ريّا فرفعت الراء فجائز.
وقوله: {وكذلك يجتبيك ربّك} [6] جواب لقوله: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} فقيل له: وهكذا يجتبيك ربّك. كذلك وهكذا سواء في المعنى. ومثله في الكلام أن يقول الرجل قد فعلت اليوم كذا وكذا من الخير فرأيت عاقبته محمودة، فيقول له القائل: هكذا السعادة، هكذا التوفيق و{كَذلِكَ} يصلح فيه. و{يَجْتَبِيكَ} بصطفيك.
قوله: {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} [8] والعصبة: عشرة فما زاد.
وقوله: {أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ} [9] جواب للأمر ولا يصلح الرفع في (يخل) لأنه لا ضمير فيه. ولو قلت: أعرنى ثوبا ألبس لجاز الرفع والجزم لأنك تريد: ألبسه فتكون رفعا من صلة النكرة. والجزم على أن تجعله شرطا.
قوله: {وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ} [10] واحدة. وقد قرأ أهل الحجاز {غيابات} على الجمع {يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ} قرأه العامّة بالياء لأن (بعض) ذكر وإن أضيف إلى تأنيث. وقد قرأ الحسن- فيما ذكر عنه- ب: ذكروا (تلتقطه) بالتاء وذلك أنه ذهب إلى السّيارة والعرب إذا أضافت المذكّر إلى المؤنّث وهو فعل له أو هو بعض له قالوا فيه بالتأنيث والتذكير. وأنشدونا:
على قبضة موجوءة ظهر كفّه ** فلا المرء مستحى ولا هو طاعم

ذهب إلى الكفّ وألغى الظهر لأن الكف يجزئ من الظهر فكأنه قال: موجوءة كفّه وأنشدنى العكلىّ أبو ثروان:
أرى مرّ السنين أخذن منى ** كما أخذ السّرار من الهلال

وقال ابن مقبل:
قد صرّح السير عن كتمان ** وابتذلت وقع المحاجن بالمهريّة الذقن

أراد: وابتذلت المحاجن وألغى الوقع. وأنشدنى الكسائىّ:
إذا مات منهم سيّد قام سيّد ** فدانت له أهل القرى والكنائس

ومنه قول الأعشى:
وتشرق بالقول الذي قد أذعته ** كما شرقت صدر القناة من الدّم

وأنشدنى يونس البصرىّ:
لمّا أتى خبر الزبير تهدّمت ** سور المدينة والجبال الخشّع

وإنما جاز هذا كلّه لأن الثاني يكفى من الأوّل ألا ترى أنه لو قال: تلتقطه السيّارة لجاز وكفى من (بعض) ولا يجوز أن يقول: قد ضربتنى غلام جاريتك لأنك لو ألقيت الغلام لم تدلّ الجارية على معناه.
وقوله: {لا تَأْمَنَّا} [11] تشير إلى الرفعة، وإن تركت فصواب، كلّ قد قرئ به وقد قرأ يحيى بن وثّاب: {تيمنّا}.
وقوله: {يرتع ويلعب} [12] من سكّن العين أخذه من القيد والرّتعة وهو يفعل حينئذ ومن قال: {يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} فهو يفتعل من رعيت، فأسقط الياء للجزم.
وقوله: {وَجاؤُا عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} [18] معناه: مكذوب: والعرب تقول للكذب. مكذوب وللضعف: مضعوف، وليس له عقد رأى ومعقود رأى فيجعلون المصدر في كثير من الكلام مفعولا. ويقولون: هذا أمر ليس له معنىّ يريدون معنى، ويقولون للجلد: مجلود قال الشاعر:
إن أخا المجلود من صبرا

وقال الآخر:
حتّى إذا لم يتركوا لعظامه ** لحما ولا لفؤاده معقولا

وقال أبو ثروان: إنّ بنى نمير ليس لحدّهم مكذوبة ومعنى قوله: {بِدَمٍ كَذِبٍ} أنهم قالوا ليعقوب: أكله الذئب. وقد غمسوا قميصه في دم جدى. فقال: لقد كان هذا الذئب رفيقا بابني، مزّق جلده ولم يمزق ثيابه. قال: وقالوا: اللصوص قتلوه، قال: فلم تركوا قميصه! وإنما يريدون الثياب. فلذلك قيل {بِدَمٍ كَذِبٍ} ويجوز في العربيّة أن تقول: جاءوا على قميصه بدم كذبا كما تقول: جاءوا بأمر باطل وباطلا، وحق وحقا.
وقوله: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} مثل قوله: {فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ}، {فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ} ولو كان: فصبرا جميلا يكون كالآمر لنفسه بالصبر لجاز. وهى في قراءة أبىّ {فصبرا جميلا} كذلك على النصب بالألف.
وقوله: {يا بُشْرى هذا غُلامٌ} {ويا بشراى} بنصب الياء، وهى لغة في بعض قيس.
وهذيل: يا بشرىّ. كل ألف أضافها المتكلم إلى نفسه جعلتها ياء مشدّدة. أنشدنى القاسم بن معن:
تركوا هوىّ وأعنقوا لهواهم ** ففقدتهم ولكل جنب مصرع

وقال لى بعض بنى سليم: آتيك بموليّ فإنه أروى منّى، قال: أنشدنى المفضّل:
يطوّف بي عكبّ في معدّ ** ويطعن بالصملّة في قفيّا

فإن لم تثأروا لى من عكبّ ** فلا أرويتما أبدا صديّا

ومن قرأ: {يا بُشْرى} بالسكون فهو كقولك: يا بنى لا تفعل، يكون مفردا في معنى الإضافة.
والعرب تقول: يا نفس اصبري ويا نفس اصبري وهو يعنى نفسه في الوجهين و{يا بشراى} في موضع نصب. ومن قال: يا بشرىّ فأضاف وغيّر الألف إلى الياء فإنه طلب الكسرة التي تلزم ما قبل الياء من المتكلّم في كل حال ألا ترى أنك تقول: هذا غلامى فتحفض الميم في كل جهات الإعراب فحطّوها إذا أضيفت إلى المتكلّم ولم يحطّوها عند غير الياء في قولك: هذا غلامك وغلامه لأن {يا بشرى} من البشارة والإعراب يتبيّن عند كل مكنىّ إلّا عند الياء.
وقوله: {وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً} ذلك أن الساقي الذي التقطه قال للذين كانوا معه: إن سألكم أصحابكم عن هذا الغلام فقولوا: أبضعناه أهل الماء لنبيعه بمصر.
وقوله: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ} [20] قيل: عشرين. وإنما: قيل معدودة ليستدل به على القلّة لأنهم كانوا لا يزنون الدراهم حتى تبلغ أوقية، والأوقية كانت وزن أربعين درهما.
وقوله: {وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} يقول: لم يعلموا منزلته من اللّه عزّ وجلّ.
وقوله: {وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ} [23] قرأها عبد اللّه بن مسعود وأصحابه حدثنا الفرّاء قال: حدثنى بن أبى يحيى عن أبي حبيب عن الشّعبىّ عن عبد اللّه ابن مسعود أنه قال: أقرأنى رسول اللّه صلّى عليه وسلم (هَيْتَ) ويقال: إنها لغة لأهل حوران سقطت إلى مكّة فتكلّموا بها. وأهل المدينة يقرءون هيت لك بكسر الهاء ولا يهمزون وذكر عن على بن أبى طالب وابن عبّاس أنهما قرءا {هئت لك} يراد بها: تهيّأت لك وقد قال الشاعر:
أنّ العراق وأهله سلم ** عليك فهيت هيتا

أي هلمّ.
وقوله: {إِنَّهُ رَبِّي} يعنى مولاه الذي اشتراه. يقول: قد أحسن إلىّ فلا أخونه.
وقوله: {أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ} [24] ذكروا أنه رأى صورة يعقوب عليه السلام. أبلغ أمير المؤمنين أخا العراق إذا أتيتا وهو يريد عليا رضي اللّه عنه. ويروى «عنق» إليك أي ماثلون في مكان {أسلم عليك} ويروى {إن العراق} بكسر النون.
وقوله: {وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ} [25] يعنى يوسف وامرأة العزيز وجدا العزيز وابن عم لامرأته على الباب، فقالت: {ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا} فقال: هي راودتنى عن [نفسى فذكروا أن ابن عمّها قال: {إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ} فلمّا رأوا القميص مقدودا من دبر قال ابن العمّ {إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} ثم إن ابن العمّ طلب إلى يوسف فقال: {أَعْرِضْ عَنْ هذا} أي اكتمه، وقال للأخرى: {اسْتَغْفِرِي} زوجك {لِذَنْبِكِ}.
قوله: {وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها} [26].
قال: حدّثنا الفرّاء قال: وحدّثنى قيس بن الربيع عن أبى حصين عن سعيد ابن جبير في قوله: {وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها} قال: صبىّ. قال: وحدّثنى قيس عن رجل عن مجاهد أنه رجل. قال: وحدّثنى معلّي بن هلال عن أبى يحيى عن مجاهد في قوله: {وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها} قال: حكم حاكم من أهلها.
ولو كان في الكلام: {أن إن كان قميصه} لصلح لأن الشهادة تستقبل ب {أن} ولا يكتفى بالجزاء فإذا اكتفت فإنما ذهب بالشهادة إلى معنى القول كأنه قال: وقال قائل من أهلها، كما قال: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} فذهب بالوصية إلى القول، وأنشدنى الكسائىّ:
وخبّرتما أن إنّما بين بيشة ** ونجران أحوى والمحلّ قريب

وقوله: {قَدْ شَغَفَها حُبًّا} [30] أي قد خرق شغاف قلبها وتقرأ {قد شعفها} بالعين وهو من قولك: شعف بها. كأنّه ذهب بها كلّ مذهب. والشعف: رءوس الجبال.
وقوله: {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} يقال: اتخذت لهنّ مجلسا. ويقال: إنّ متكا غير مهموز، فسمعت أنه الأترجّ. وحدّثنى شيخ من ثقات أهل البصرة أنه قال: الزّماورد.
وقوله: {وقطّعن أيديهنّ} يقول: وخدشنها ولم يبنّ أيديهن، من إعظامه، وذلك قوله: {حاشَ لِلَّهِ} أعظمته أن يكون بشرا، وقلن: هذا ملك. وفى قراءة عبد اللّه: {حاشا للّه} بالألف، وهو في معنى معاذ اللّه.
وقوله: {ما هذا بَشَرًا} نصبت {بَشَرًا} لأن الباء قد استعملت فيه فلا يكاد أهل الحجاز ينطقون إلا بالباء، فلمّا حذفوها أحبّوا أن يكون لها أثر فيما خرجت منه فنصبوا على ذلك ألا ترى أن كلّ ما في القرآن أتى بالباء إلّا هذا، وقوله: {ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ} وأما أهل نجد فيتكلّمون بالباء وغير الباء فإذا أسقطوها رفعوا. وهو أقوى الوجهين في العربية. أنشدنى بعضهم:
لشتّان ما أنوى وينوى بنو أبى ** جميعا فما هذان مستويان

تمنّوا لى الموت الذي يشعب الفتى ** وكلّ فتى والموت يلتقيان

وأنشدونى:
ركاب حسيل أشهر الصيف ** بدّن وناقة عمرو ما يحلّ لها رحل

ويزعم حسل أنه فرع قومه ** وما أنت فرع يا حسيل ولا أصل

وقال الفرزدق:
أما نحن راءو دارها بعد هذه ** يد الدهر إلا أنّ يمرّ بها سفر

وإذا قدّمت الفعل قبل الاسم رفعت الفعل واسمه فقلت: ما سامع هذا وما قائم أخوك. وذلك أن الباء لم تستعمل هاهنا ولم تدخل ألا ترى أنه قبيح أن تقول: ما بقائم أخوك لأنها إنما تقع في المنفىّ إذا سبق الاسم، فلمّا لم يمكن في {ما} ضمير الاسم قبح دخول الباء. وحسن ذلك في {ليس}: أن تقول: ليس بقائم أخوك لأنّ {ليس} فعل يقبل المضمر، كقولك: لست ولسنا ولم يمكن ذلك في {ما}.
فإن قلت: فإنى أراه لا يمكن في {لا} وقد أدخلت العرب الباء في الفعل التي تليها فقالوا: لا بالحصور ولا فيها بسوّار.